بسم الله الرحمن الرحيم
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
المتأمل لهذه الآية يجد معناها صعب . فكم من المواقف اتبعنا فيها الهوى على علم . فاتباع الهوى أمر خطير و اتباعه على علم أمر أخطر . اللهم اغفر لنا و ارحمنا . و اتباع الهوى بمفهومى البسيط هو اتباع النفس فى ما تريد و لننظر الى حياتنا لنرى كم من المواقف خالفنا فيها الهوى فكانت مواقفنا و قراراتنا و أفكارنا شاقة على أنفسنا و لكن ما كان يصبرها هو مخالفة الهوى ظنا فى الله خيرا انه لن يضيع تلك النفس التى تجردت من هواها و كم من المواقف على النقيض اتبعنا فيها الهوى و ما تريده النفس فكان الحزن و الذل فالهوى قيد و القيد حزن للأحرار فى مكنون أنفسهم حتى و ان بدت الأمور الظاهرة غير ذلك .و لقد قال الشعبي : إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار . فاللهم اغفر لنا و احفظنا من النار , وقال ابن عباس : ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه ، قال الله تعالى : " واتبع هواه فمثله كمثل الكلب " [ الأعراف : 176 ] ، وقال تعالى : " واتبع هواه وكان أمره فرطا " [ الكهف : 28 ] ، وقال تعالى : " بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله " [ الروم : 29 ] ، وقال تعالى : " ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله " [ القصص : 50 ] ، وقال تعالى : " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " [ ص:26)
قال الرسول صلى الله عليه و سلم : إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة " ، و " قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث مهلكات وثلاث منجيات فالمهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء نفسه ، والمنجيات : خشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب . و رمضان أعظم فرصة لمخالفة هوى النفس فى شهواتها . فنحن نصوم عن الحلال من أكل و شرب حتى نتعلم معنى التقوى و نتعلم معنى مخالفة هوى النفس . و لكن سؤال يطرح نفسه :
هل مخالفة هوى النفس ضد الطموح ؟ هل هذه المخالفة ضد ما نأمل؟
و لتكن الأجابة هذه الآية الرائعة : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى " [ النازعات : 40 - 41 ] .
فبداية نهى النفس عن الهوى هو الخوف من الله و التورع فى القول و الفعل بشكل عام حتى لا نندم على تسرع أقوالنا و أفعالنا . فاذا كان الطموح بطرق مشروعة لا يخالف ما أمر الله فاليكن كذلك و من هنا تبدأ النفس درجات أعلى فى الترقى لتخالف هواها . فعلى سبيل المثال :
النفس تحب الكسل و النوم و تهواهما و الطموح يتطلب المجاهدة و الصبر و الجد و مخالفة النفس فى كسلها و نومها كى تطلع لما تريد فتكون مخالفة النفس هنا مع الطموح . و أحيانا أخرى تتحايل النفس على ما أمر الله كى تصل لمبتغاها فاذا كان طموح الموظف الترقى فى العمل فهو قد يلجأ لأمور غير مشروعة خفية و هنا تكون مخالفة النفس فى وقف هذه الأمور غير المشروعة هو الحلال و الأصح حتى و ان بقى فى مكانه دون ترقى و لكن دائما و أبدا تكون أيات الله متوازنة أمام أعيننا و لكنها تحتاج الى فهم عميق و صبر فى تطبيقها حتى تتحقق فينا . فذلك الموظف الذى يطمح للترقى بطرق غير مشروعة اذا خالف هواه مع حسن ظنه بالله مع التوكل عليه فاجتهد و صبر و عمل لوصل الى ما يريد لان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا و اذا لم يصل فهو راض عن الله لانه يعلم ان عليه العمل و ليس الثمرة . فهى عدة مفاهيم متوازنة متوازية يجب أن تحافظ عليها النفس كمجموعة متكاملة حتى لا تأخذ من المجموعة آية أو مفهوم و تترك آخر فتشعر بالتعاسة أو تظن فى الله شيئا و تعالى الله عن أى شىء فهو الكريم العفو و هو الجبار المنتقم .اذن فالعاقل يرى مخالفة النفس عن هواها أى فيما تحب وفى شخصنتها التى ترفض أحيانا المرونة فى تقبل الآخرين لترى موقفها و رأيها هى الأصح دوما مشككة فى الأخرين خطوة نحو الترقى بها الى ما تحب و خطوة الى الوصول الى ما تريد بالفعل بتحرى الطريق المستقيم و تكون النتيجة حيثما كانت على الله فان وصل الانسان الى ما يريد فهذه نعمة و اذا لم يصل فهذه نعمة اخرى لتتحقق صفة الرضا و التوكل فى أنفسنا و لن يضيعها الله أيضا لذا فمخالفة النفس عن الهوى يجب ان تلازمها حسن التوكل التام على الله و الاستعانة به حتى تكون المخالفة على نور من الله فلا يضيعها أو بمعنى آخر حتى لا تكون مخالفة الهوى فى مضمونها ستار خفى آخر لما تريده النفس من جانب آخر . فمخالفتها تكون فى اتباع الأشق و يكون حينها فهم ان الرسول صلى الله عليه وسلم اذا خير بين أمرين اختار أيسرهما اى أيسرهما لدخول الجنة و أصعبهما فى المشقة فالجنة محفوفة بالمكاره اى ما تستصعبه النفس و أحيانا تكرهه لمشقته و عناءه و النار محفوفة بالشهوات و بما تحبه النفس . حقا معادلة شاقة و ليست يسيره حيث تمر النفس أحيانا باختيارات شاقة فلا تدرى أي الاختيارت الشاقة تختار ليكون طوق النجاة الوحيد هنا هو الأخلاص فى الطريق الملموس فحينها يختار الله لعباده الطريق بعدما أطلع على القلوب و جعل هذه القلوب تمر على الفتن و الابتلاءات كى تثبت صدقها أو غير ذلك . فنسأل الله الهدى فهذه النفس يجب محاسبتها باستمرار و ترويضها حتى تكون سبيلنا الى الجنة لا الى النار . اللهم زكى أنفسنا انت خير من زكاها , أنت وليها و مولاها .
ربنا يفتح عليكى كمان وكمان
ReplyDeleteويزيدك من علمه
ربنا يكرمك يا سمر و يزيدك علما و لكن ادعى لى بالعمل بما اعلم فهذا أفضل من زيادة العلم دون عمل حتى لا يكون حجة على . و فى الحقيقة أود أضافة نقطة حتى يتسم الكلام بالموضوعية و النقل الصحيح عن خاتم الأنبياء و هى النقطة الخاصة بأمر اذا خير الرسول بين أمرين اختار أيسرهما. فالرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخص نفسه كان يختار الأشق فهو الايسر لدخول الجنة فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه و لكن مع من حوله يختار الأيسر فى قلة المشقة فاذا كان الأمام فى الصلاة راعى الأخرين و المريض و المسن و حتى الأطفال و هكذا يعلمنا الحبيب ان المؤمن هين سهل بشكل عملى و مرن فتتسع الدائرة كى يكون الاختلاف رحمة و يسر . فصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .
ReplyDelete