استكمل شيخى حديثه عن النفس الغافلة و قال:
ان الكثير من الناس يتغافلون عن أنفسهم لانهم اذا بحثوا فيها سيجدون اشياء كثيرة خاطئة مستمتعين بها لا يريدون تغييرها و البعض الاخر لن يفكر فى نفسه و عيوبها و سينشغل فى عيوب الاخرين اما الفئة الاخيرة فستحاول البحث و لكن لن يتوصلوا الى المشكلة و من سيعرف المشكلة سيتكاسل فى حلها و القليل هم من يصابر و يثبت حتى يكسب المعركة مع نفسه
فقلنا يا شيخ : أتوجد معركة بيننا و بين أنفسنا؟
قال: و لم لا و هى عدونا الاول
الشيطان و نفسى و الهوى كيف الخلاص و كلهم اعدائى
فيجب ان نحارب النفس التى تشبثت بعادات خاطئة و شهوات تحكمت فيها
و المحاربين كثر فى ساحة الحرب
فهناك ابو سليمان الدرانى الذى قال:
مازالت اسوق نفسى الى الله و هى تبكى اليه حتى وصلت و هى تضحك
و قال السلف : النفس دابة فمن سيسوق نفسه و من ستسوقه نفسه؟
فقلنا يا شيخ : و ما العمل؟
قال:يجب أن نتأمل فى أنفسنا جيدا كى نعرف اين يكمن الخطأ و ما هى نقاط ضعفنا التى يدخل منها الشيطان حتى لا تتزعزع انفسنا . فنحن امام مغريات و فتن كثيرة و هذه الفتن لا تحتاج نفس ضعيفة الا وقعت فيها . و نضرب كمثال عبدالرحمن الداخل الذى هرب هو و أولاده الى الاندلس مطلوب رأسه من قبل الدولة العباسية التى كانت تقتل أى شخص من الامويين .هذا الرجل أقام دولة قوية بالاندلس و أقام خلافة أموية و لم تتزعزع نفسه امام كلام الناس عن امر قتله فى اى وقت لانه من بنى أمية . فالقد وضع هدف امامه و ساق نفسه الى المعالى لا الى الهاوية .
قلنا يا شيخ : و لكن الم يخف من القتل ؟ فمن الممكن ان يقول عنه البعض انه لم يأخذ بالاسباب اذا قتل؟
قال:الم أقل لكم انها حرب مع النفس .الامر ليس هكذا ولكنه يتعلق بهمة تناطح السحاب , فان يموت المرء مجاهدا شريفا عالى النفس افضل ان يموت جبانا خائفا . و لننظر الى هذه النفس التى لم تخاف الا الله , ماذا فعلت , اقامت دولة عظيمة بالاندلس . و هذه النفس هى التى نحتاجها اليوم , النفس التى لا تخاف الا الله , التى لا تتزعزع امام الفتن و الجلاد .
قلنا: و كيف لنا ان نصل الى هذه الدرجة ؟
قال:ان تعرف نفسك جيدا فلا تتزعزع و لا يشكك فيها أحد
قلنا :استكمل يا شيخنا قالقد شوقتنا الى المعالى.
قال : هناك مقدمات يجب أن تضعها أمامك كبداية لاصلاح النفس و كبداية لتعرف نفسك
فالقد قال تلميذ مالك : من تفرس فى نفسه فعرفها صدقت له فراستها فى غيره
قلنا : و ما تلك المقدمات؟
قال: اولا أن تعرف سر وجودك و حياتك
فالجميع مشترك فى خصائص و طبائع عامة للنفس يجب التعرف عليها و يجب معرفة المفروض ان تكون عليه النفس
فالقد قال الله عز و جل " افحسبتم انما خلقناكم عبثا و انكم الينا لا ترجعون"
و لكى تعرف ما يجب ان تكون عليه يجب ان تعرف اولا لماذا خلقت؟و ما قيمتك فى الحياة؟ و ما هى خصائصك , صفاتك , عيوبك , ايجابياتك و سلبياتك
و ليس كما يردد البعض "لا اعلم من اين جئت و لكنى اتيت"
فهذا خطأ كبير , و يجب علينا ان نعرف لماذا جئنا و من اين اتينا حتى نكتب بطاقة تعريف لانفسنا
قلنا :و ما فائدة بطاقة التعريف لانفسنا؟
قال : و كيف تكون صديقا و انت لا تعرف صديقك و كيف تكسب عدوك و انت لا تعرفه ؟
فأن موطنا الاصلى الجنة و جئنا لعبادة الله و عبادة الله هنا تفسرها ايه جميلة توضح شمولية العبادة الا و هى
"قل ان صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين"
فالحياة كلها لله و من المفترض ان تنبع اعمالنا كلها من مصدر واحد الا و هو ارضاء الله
فتعمير الارض عبادة و النجاح و المذاكرة و العمل و النكاح و حتى الابتسامة و النوم عبادة اذا وضعنا النية لذلك
قلنا : و بذلك نكون عشنا حياتنا لله
فقال: لا تعتقدون الامر سهلا فالحياة فى سبيل الله صعبة . لا اقول ان الامر مستحيلا و لكنه ليس يسيرا و لكن ستمرون بكثير من الفتن التى ستبين من سينجح و من لا.
قلنا : اذن يجب ان نعرف ان موطنا الاصلى الجنة و اننا خلقنا لعبادة الله بالمفهوم الشامل للعبادة حتى لا نتهاون مع انفسنا و نجعلها دائما فى رقى فلا تتكاسل حتى تلحق بركب الناجحين الى الجنة
قال: الان يمكن ان اقول انكم فهمتم ما اريد من المقدمة الاولى و يمكننى الان ان انتقل الى المقدمة الثانية باطمئنان
فالمقدمة الثانية هى
"قد أفلح من زكاها و قد خاب من زكاها"
فيجب ان نعلم ان سر الفلاح فى تزكية النفس باستمرار و ان سر الخيبة و الخسران فى دس النفس فى شهواتها و ملذاتها
فالمعادلة كلاتى:
شخص عرف سر حياته:سيعمل على :الوصول الى الله :عن طريق:تطهير نفسه:فوصل الى الهدف
شخص عرف سر حياته:لم يهمه الامر و لم يزكى نفسه: فكانت النتيجة الخيبة و الخسران
قلنا : و ما علامات الخيبة ؟
قال:
عدم التزام
ضعف ارادة
جبن
عدم مواجهة للحياة
فاندهشت و قلت فى نفسى : كنت أظن اننى لست من فئة المعادلة الثانية و لكن دلائل الخيبة ليست بعيدة عنى
فقال الشيخ و كأنه يقرأ افكارى: يظن البعض انه بعيد عن المعادلة الثانية و قد يكون السبب انه لا يتأمل فى نفسه و ينظر لعيوب الاخرين كما قلنا فى بداية الحلقة و لكن الحقيقة هى اننا لسنا ببعيد عن اصحاب المعادلة الثانية و لكن هذا ليس تحبيطا و لكن خطوة لمعرفة انفسنا على حقيقتها حتى نعمل على تزكيتها و لكن الاسف كل الاسف لمن استمر فى معادلته الثانية .
قلت: يا شيخ و كيف تكون علامات الخيبة مرتبطة بنفوسنا , اليس من الممكن ان تكون هذه الاسباب سبب الظروف الصعبة التى نحن فيها الان؟
قال: ان المنطق التبريرى كثر هذه الايام و فى الواقع ان المنطق التبريرى ناتج من كسل فكرى و تقافة الكسل العام . فلا يجب ان نعلق كل شىء على الظروف لاننا اذا اصلحنا أنفسنا سنملك تغيير هذه الظروف ان شاء الله لان اصلاح النفس الحقيقى سينعكس بشكل تلقائى على الظروف و بالتالى سيزيد عدد الصالحين المصلحين و سيكون هناك أمل فى تغيير أوضاعنا السيئة.و هذا ايضا لا يعانى التعارض بين اصلاح النفس و الظروف فى آن واحد
أما عن ارتباط هذه النقاط بالنفس فهذا ما سنوضحه الان
ففى الدنيا علامات كثيرة منها
1_ضعف الارادة و الهمة:
يكون بسبب احتلال النفس للشخص و عدم معرفته بدأ أو سلك أو تكملة الطريق الصحيح
2_التردد
عدم الثبات على رأى أو اختيار و يصل الامر الى ابعد من ذلك و نجد ان العمل الخيرى الذى نقوم به بدافع الهوى و النفس فى حب الظهور , الشهرة , او اشياء اخرى .
3_الذل:
يكون الانسان عبد لنفسه , لا يستطيع أن يرفض لها طلب فتسوقه لمواطن السوء
فلا يستطيع ترك التدخين, ترك العصبية و الغضب , ترك الغيبة و النميمة , ترك النوم الكثير و الكسل و ترك فيلم او مسلسل مثل نور , فيكون الانسان اسير لنفسه
4_الجبن:
فان النفس تخاف من السخرية و تخاف من كلام الناس و خاصة عند قول الحق
5_انعدام الحياء:
و لعلها ظاهرة منتشرة الان سواء فى الشارع او فى القنوات التلفزيونية
هذا فى الدنيا اما فى الاخرة:
الندم .فأحد الحكماء يقول :الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا
قد قارب الوقت على صلاة الجمعة و حان انتهاء وقت الدرس فكان السؤال : و ماذا نقعل الان الى اللقاء القادم يا شيخنا
فقال:
تجلسوا مع انفسكم فى جلسوة خلوة , انتم و انفسكم و الله رقيب عليكم
تمسكون بورقة و قلم و تكتبون : لماذ خلقتم و الى اين ستذهبون؟
ثم تفكرون فى هذه العلامات السابقة
تفكروا جيدا و لا تعتقدون انها بعيدة عنكم
و اكتبوا ما تروه فى انفسكم من نقاط ضعف و قوة كبداية لمعرفة انفسكم ثم ضعوا المعادلتين السابقتين امام اعينكم لتروا مدى تأثركم بهما الى ان نراكم فى الاسبوع القادم ان شاء الله