Monday, November 23, 2009

التجرد الأصلاحى

فى ظل هذه الأيام الجميلة تتجرد العباد من شهواتها , أموالها و حتى أولادها و عائلتها كى يلجئون الى الله الواحد القهار , معلنين التجرد من كل المعانى الدنيوية بحلالها و حرامها فتسمو نفوسهم و أرواحهم و ندائهم بالتهليل و التكبير و التسبيح . و كم يعجبنى معنى التجرد الأصلاحى و دوره فى صلاح المجتمع و لقد كانت لى بعض الخواطر عنه على هذه الصفحة أيضا بعنوان "سلسة لبيك" و استكملها ببعض معانى التجرد و هى :*التجرد من شهواتنا الخفية و الجلية و التى لا نعلمها الا اذا أحببنا أن نعلمها . فكم من مأساة حدثت لتطيب أنفسنا و تستريح ضمائرنا بمبرراتنا المعسولة المنطقية فى ظاهرها و الخبيثة فى كامنها . *التجرد من التناقض الكامن فى حياتنا الشخصية و اليومية . لنا أن نرى ذلك الأب الذى يعلم ابنه قيمة الصدق و مع أول تليفون نجده يقول لابنه "قل للمتصل انى نائم" و لو تخلص الأب من شهوة الراحة لتخلص من التناقض و لرحم نفسه و ابنه من تربيته الخاطئة . و هناك تجد هذا السياسى الذى يريد أقامة دولة الأسلام لتجده يضيع فروض الله من صلوات الجماعة و الذهاب الى المسجد مع أن الجماعة فى حد ذاتها مجتمع صغير و لو تخلص هذا الشخص من شهوة الكسل لارتاح من تناقضه و أفاد أمته . و هنا تجد تلك الأم تنادى بالمثل و الأخلاق لتجد الأبناء مثلهم كمثل باقى جيلهم يرقصون على الأغانى الهابطة و يرددون أبشع الألفاظ . و تجد تلك المخطوبة تظهر أجمل ما فيها من باب لا أكذب و لكنى أتجمل حتى يكتشفها زوجها مستقبلا على حقيقتها و لو تخلصت من شهوة الغش و الخداع و ظهرت كما هى لانها هى كذلك لارتاحت من تناقضها و لارتاح من معها و لكن للأسف نجد فى هذه الحياة من يحبون خداع أنفسهم و يحبون من يخادعهم . و على الجانب الأخر تجد ذلك الخاطب لا يحب أن ينظر أحد من الرجال الى خطيبته أو يتحدث لها و له فى ذلك حق و لكنه يحلل لنفسه النظرة و التحدث و نسى انهم متساوون فى النظرة الحرام فهى سهم مسموم من سهام أبليس و نسى أن التحدث له أدابه على الجنسين و شروطه الأساسية هى عدم الخلوة , غض البصر , التحدث فى الأمور الهامة و الوقوف باعتدال و التحدث دون ميوعة و لو تخلص من شهوة النزعة الذكورية فى حق التصرف كيف يشاء لانه "ذكر" لتخلص من تناقضه و لارتاح و اراح من معه . *التجرد من الكبر و التأفف من الناس و يظهر ذلك فى أقل المواقف مثل :التأفف من حمل حقائب المشتريات و خاصة تلك التى بها خبز و لا أعلم لماذا ؟! التأفف من السير مع شخص يعلم عنه الناس فقره الظاهر على مظهره , فقد لا يتأفف هذا الشخص فى التحدث معه فى الخفاء أو فى وسط مجموعة من الناس تسير بجانبه و لكن بمفرده يظهر تأففه . و من صفات التكبر الأعتزاز بالرأى الى أقصى الحدود و عدم الأقتناع بآراء الأخرين و ليس عيبا التمسك بالحق ان كان حقا و لكن العيب الأكبر فى الكبر هو التمسك بالرأى الشخصى مع رفض آراء الأخرين بل و الحجر عليها لتجد هذا الشخص يكرر كثيرا كلمات الأعتراض و النقد الدائم بمبرر أو من غير مبرر . و هنا تدخل نقطة التعصب معها .* التجرد من التفرقة و التشتت بالتعاون و زيادة تماسك الصف . *التجرد من أنايتنا و حب الامتلاك من أبسط صورها الظاهرية فى البخل و اخراج الصدقة الى امتلاك الرجل للمرأة فى بيته و منعها من الذهاب لأى مكان أو الأختلاط بأى أشخاص و حب امتلاك المرأة بمنع الرجل من أصدقائه (طبعا الرجال)ا*التجرد من ظلمنا لأنفسنا بفعل المعاصى و من ظلمنا للآخرين بسوء الظن فيهم و أقامة الشائعات عليهم* التجرد من النظرة الأحادية أو التعصب بعدم حجر أفكار الأخرين و التعبير عنها بشرط الأحترام * التجرد من حبنا الزائد لأنفسنا برؤيتها أنها تعلو الصغائر و برفضها النقد حتى لو كان فى محله لتكون النظرة الأولى للنقد البناء أساءة و فى واقع الأمر انه لم يسىء بل الشخص المحب لنفسه أصم نفسه عن السماع و عقله عن التفكير ليخفى واقع أو حقيقة لا يريد مواجهتها و بذلك ترى هذا الشخص أول كلمة تتردد على لسانه فى مواجهة أى نقد هى كلمة الأساءة- أى أن الأخرين أساؤا له- و هذا فى الواقع لم يحدث*التجرد من نظرة الندية لتعلوها نظرة المساواة فالرجال فى الحج يأدون نفس المناسك مثلهم مثل النساء . و هنا المساواة بضوابطها الشرعية . فيجب أن تعلو نظرة العدل عما دونها و أن يتذكر كلا الطرفين انهم "أنسان" و ما قد يرفضه أنسان قد يرفضه أنسان آخر و على هذا قال المأذون لو اتفقت الزوجة فى عقد القرآن من زوجها على عدم الزواج بغيرها و حدث غير ذلك لحق لها الطلاق اذا كان شرط متفق عليه لتعلو قيمة " أنسان " و المؤمنين عند شروطهم على مفهوم الندية الذى قد يراه آخرون انها بذلك تساوى نفسها بالرجل , فكما هى لا تتزوج بغيره فهى لا تريده أن يتزوج بغيرها . و لست بصدد الآن مناقشة تعدد الزواج و لكن المضمون هو أعلاء نظرة العدل و المساواة عن الندية و قبل أن ينظر الرجل لنفسه كرجل يحق له أشياء لا تحق للمرأة "مع ترك أشياء كلمة عائمة فى نظر المتحدثين بها" يجب أن ينظر أولا لنفسه كأنسان و لنضرب مثل شائع متكرر بين المخطوبين لنجد أن الخاطب لا يحب أن تختلط خطيبته بالرجال و لا يحب حتى أن يأخذ زميلها رقم هاتفها لأى سبب حتى لو كان لعمل تحت مبرر أن العمل داخل جدران مؤسسة العمل فقط .و ليس فى غيرته عيبا و لا فى ذلك ما يسىء أليه و لكن ما يسىء أن تحترم هى كل ذلك و تقدر مشاعره و تبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق ما سبق لتجده هو كرجل يتصرف بصورة مختلفه تؤذى مشاعرها . فهو يحق له أن يعطى رقم تليفونه لزميلاته كى يتصلوا فى الأعياد و المناسبات -أى أشياء لا تبدو ضرورية كالعمل_و هذا تحت مبرر انه رجل .و اذا علت قيمة المساواة و العدل و الأنسانية و عدم التناقض لرأى هذا الرجل أنه طرف فى العلاقة و بنفس المبدأ الذى قاله لخطيبته هو نفس المبدأ الذى يجعله لا يفعل هذا الأمر لانه من المفترض أن يكون مرفوض لأخ أو أب أو شريك هذه التى تتحدث اليه . و ليس فى الأمر ندية بل اذا ارتضى الأنسان مبدأ أنسانى فيجب عليه تحقيقه على نفسه أولا . *التجرد من ألفاظنا "الدبش" أو مبمعنى آخر المسيئة . الحقيقة من الممكن قولها و لكن ليس شرط أن تقال كطوب يقذف على السامع . عجبا أن أسمع عن مشكلة بين خطيب و خطيبته و أساسها أن المخطوبة تسأله أن يحسن علاقته بأمها فأجابها أنه يكره أمها . و كم كلمة الكره هذه كلمة كبيرة عنيفة تقطع كل أواصر الحب و المودة . فاذا كان الموقف هو العكس هل كان سيحب هذا الخطيب أن يسمع تلك الكلمة من خطيبته ! و من الأشياء الجميلة التى سمعتها فى أحد البرامج تلك الأيام هو أتصال تليفونى من رجل يقول انه متزوج منذ أربعة و أربعين عام و لم يحدث مشاكل بينه و بين زوجته معللا ذلك بشىء يقوله كنصيحة للشبابو هو أن الود يأتى من الرجل . فالرجل يجب عليه أن يتودد لزوجته و يحكى لها تفاصيل حياته و يكون هو المبادر لذلك لانه اذا لم يفعل ذلك ستشعر الزوجة أن زوجها يخبأ عليها شىء ما فستبدأ فى الشك أو نظرة عدم الأهمية لنفسها لأهمال زوجها لها و من هنا يكون النزاع . و بغض النظر عن الأتفاق مع نصيحة هذا الرجل أو لا فهى نصيحة جميلة توضح دور الرجل المهم فى الأقدام أولا و القرب و التودد و ليس عكس ما يطلبه معظم شباب هذه الأيام بأن تتقرب الزوجة دائما و أبدا دون أى مشاعر من الرجل تحت مبرر ضغط الشغل. وانتهى ذلك البرنامج بجملة جميلة للمذيعة لميا بأن اذا كان الرجل تاج جميل فهو يحتاج لمن يحمله .

و أخيرا يعلمنا الحج درس عظيم و هو قيمة التوكل على الله و الألتجاء اليه
و أختتم تلك التدوينة بهذه الأبيات الشعرية المنقولة
لئن نأت بنا الأجساد فالأرواحُ تتصلُ ** ففي الدنيا تلاقينا وفي الأخرى لنا أمل

فنسألُ ربنا المولى وفي الأسحار نبتهلُ ** بأن نلقاكم في فرح بدار ما بها مللُ

بجنات وروضات بها الأنهار والحلل ** بها الأحباب قاطبة كذا الأصحاب والرُسُلُ

No comments:

Post a Comment

انطلق برأيك